2. {تعطير الأيام بسيرة الأئمة الأعلام}
أقولمستعيناً بالله ، طالباً رضاه عني وتقواه: في خِضم هذه الشَّواغل والمشاغل،والزَّخَم
الفكري الذي طغى على ذِهن الأمَّة ، وبغى على علو الهمة ، وترعرع على النـَّوازل المُدْلهَمَّـة ،
كان لابد حتماً من وقفة ؛ كي ننظر ما بنا ونفقه ، ومن ثمَّ نضع النقاط عـلى الحـروف؛ حتـى
نتجنبََّما يُحاك بنا من حُتُوف، ونرِجع للعزة ونعود ، ونُيسِّرللشرع طريقاً ليسود ، ونقفله
حماةً كالأسود ، ننهشأعداء الإسلام كالضَّراغم ، ونُشهِر لهم متون الصَّوارم ، فلا يستطيعوا
لنا حزَّ الغلاصِم ، ولا نخشَلهم نْكَز الأراقِم.
ومن ثمَّ نظرتفي أحـوال النـاس، فوجـدتهم في نعـاسوإفـلاس، فحركـتلـساني
بالهمسات، وزبَّرتببناني تلكالكلمات، عن أعلام الإسلام، ومُلَّاك الذِّمام،فأعرنيعقلك
وسمعك، وقلبكوفهمك:
كانهنالكفيما كان ، في غابر الأسلاف والأزمان ، كبار أكابر،هدىلكلعابر،ملكوا
الزمام ، وقادوا للأمام ، ذلَّلوا المراقي والصعاب، بفضل العزيز الوهاب، وكـشفوا المزيـف
المردود من البهرج والمنقود ، وفي كل الدُّروبأنجم زهرات، يُقتدى بهـم في كـل الظـروف
والأوقات، أسدي إليكمن رياضأحوالهم ، ومن أفانين أفعالهم ، ما يبتـدي بـه المجتهـد ،
وينتهي به المقتصد ، فهي بحق من خير الزَّاد ، ودليل سلامٍ إلى يوم المعـاد ، وأتمنـى ألا يتعثَّـر
لساني، عنذِكر أحوالهم في هذي اللحظات والثواني.
ففي الإيمان: كانوا من عِلية بني الإنسان ؛ فهو لهم صمام الأمـان ، ووقايـة مـن حبائـل
الشيطان ، من إنسٍكان أو جان ، وبه أدركوا النعيم المقيم ، ونجوا من الويل والجحيم ، فذا
من أحوالهم بعضنذرٍ يسير ، إلا أنه من جميل عبق العبير.
وفي العبادة: كانوا أعالي سادة ، وتركـوا الوسـادة ، أكثـروا مـن الـصلوات، والـصيام
والزكوات، والعمرة والحج ، وأتوهما من كل فج، وكذاقراءة القرآن، وذِكر الربالرحمن،
وأحوالهم فيذا كثيرة منشورة ، معلومة وفيرة مشهورة.
(٢)
3. وفي الاتباع: سلكوا كل باع ، وتركوا الهوى والابتداع ، ونظـروا في الـسنة والكتـاب،
وطرقوا منهما كل باب، وأحبوا الله فأحبهم ، وعفا عنهم وغفر لهم ، وبذا وُسِموابأهلالسنة
والجماعة ، وكذا الطائفة المنصورة إلىقيام الساعة .
وفي أحوال القلوب: تركوا الخطايا والذنوب، وسلكوا خـير الـسُّبل والـدروب، مـن
إخلاصوحبٍ وتوبة ، رضا وًصبرٍ وأوبة ، خشية ورهبة ، رجاء ورغبة ، وغيرها من أحوال
، تُوصِل الحال إلى المآل ، فتلكإطلالة عابرة ، على أحوالهم الغابرة.
وفي العلم والعلوم: غاصتالأذهان والفهوم ، وصار المعقَّد مفهوم ، درسوا وصبروا،
عانوا فسبروا ، رحلوا وارتحلوا ، بذلوا وابتذلوا ، وجابوا البلاد والعباد ؛ طلبا لًفروع العلـم
والرشاد ، من توحيد وعقيدة ، فقه وأصول مفيدة ، حديث وتفسير ، نحو وفن تعبير ، تاريخ
وسيرة ، فرائضوعلوم شتىَّ كثيرة ، فكانوا فحولا ، ثقاتاً عدولا ، خدموا المحابر ، فرفعتهم
المنابر ، لهم معدن نادر ، نحو العلا قادر ، من أمثال الحسن وسعيد ، والشعبي وابـن يزيـد ،
عكرمة ومجاهد ، الأعمشوابن المبارك المجاهد ، عطاء وسـفيان ، الـذهلي والزهـري عالمـا
الزمان ، أبي حنيفة والشافعي ، ومالـك وابـن حنبـل التقـي ، البخـاري ومـسلم ، والـستة
أصحاب الكتابالمفهم ، ابن تيمية وابن القـيم ، والـسيوطي ذي العلـم القـيم ، الـشوكاني
والصنعاني ، ابن عبد الوهاب والألباني ، ابن باز وابن عثيمين ، أحمد شـاكر وابـن جـبرين،
وغيرهم الكثير من الأماجد الكبار ، أقمار الليل وشمسالنهار .
وفي الدعوة والتعليم: كان لهم النفع العميم ، والأثر العظيم، فكم خالطوا من نادٍ وواد
، وحاضرٍوباد ، فأحكموا التجارب، وميزَّوا المشارب، فسلكوا الطرق الطيبة المثلى ، ودعوا
بالحكمة والموعظة الحسنى ، فلانتلهم القلوب، وهانتلهم العيوب، وقُبلِتمنهم النصائح
بأجزل ألفاظ الامتنان الفصائح.
وفي الجهاد: أزالوا رؤوسالشرك والعناد،منأهل الطغيانوالأوغاد،تقلَّدوا السيوف
٣
4. ، ولم يخشوا الُحتُوف، رشقوا السهام في قلوبالظلام ، رموا النبال ، وبغوا النضال ، مصَّروا
الأمصار ، وفتحوا الأقطار ، نشروا الإسلام بينالأنام ، تمنوا الشهادة ، ورجوا الإعادة ، فذا
قليل من كثير ، وضئيل من وفير.
وفي الزهد: استفرغوا الجهد ، وصدقوا العهد ، تركوا خُتومَ الشّهَواتِ،وقطُوفَاللّذّاتِ
، تركوا الغرور ، وتيقنوا الـسرور ، علمـوا الفنـا ؛ فتركـوا الخنـى ، نظـروا للظـل الزائـل ،
فاستمسكوا بنهج الأوائل ، وبذا تمتلهـم النعمـة ، وزالـتالنقمـة ، وحـصل الوئـام بعـد
الانفصام ، فرحمة الله على الزهاد العباَّد ، الأطهار الأبرار.
فيا أمتي: من نومكِأفيقي ، ومن غفلتكِ استفيقي ، وعودي لربك، وانتبهي لـدربك،
واحذري حَبائل الشيطان ، من إنسٍكان أو جان ، فنهايتها العذابالأليم ، والويلوالجحيم
، وبالعكساستمـسكي ، وتـشبثَّي واسـتوثقي ، وبحبـل الله اعتـصمي ، واصـبري عـلى ذا
واحتسبي ، وعضيعلى السنةَّ العصماء بالنواجذ ، وكذا سنة الراشدين من الخلفاء مهما كانت
. الحواجز ، فبذا تسكني أعالي الجنان ، بجوار النبي العدنان
***
(٤)