ݺߣ

ݺߣShare a Scribd company logo
‫د. عماد الدين حسين‬
‫ســـــــــــرايـــــــــــيـــــــــــفـــــــــــو‬
‫سراييفو ...‬

‫...‬

‫سراييفو ...‬
‫الحزن الدفين...!‬

‫ما‬

‫سراييفو ...‬

‫�أن تط�أ قدماك العا�صمة البو�سنية ... �سراييفو‬
‫... و�سط قطرات املطر التي ت�ستقبلك يف وداعة حانية‬
‫ومودة ال تخطئها عني ...و �أنت يف و�سط �أوروبا....،‬
‫�إال و تدرك �أنك يف معقل احلزن ..وموطن احلزن‬
‫.... و بيت احلزن ... و �أ�صل احلزن ... و ثوابت‬
‫احلزن ...ونوابت احلزن ... مطار متوا�ضع و ك�أنك‬
‫يف �ضواحي املدن العتيقة ... موظفي اجلوازات‬
‫تقر�أ يف مالحمهم احلزينه �أكرث مما ترى يف‬
‫�أيديهم ... يف الطريق �إىل الفندق....، ال�سيارات و‬
‫الرتام القدمي يذكرك بالقاهرة يف ال�سبعينات ...‬
‫تكد�س املوا�صالت العامة يف �ساعات الذروة يعيد‬
‫�إىل �أذهانك مدنا عربية تعي�ش يف حتديات �شظف‬
‫العي�ش و الكفاح من اجل البقاء ....، مباين قدمية‬
‫الزالت �شاهدة على �آثار التطهري العرقي للبو�سنة بني‬
‫عامي 2991-5991 .ياتيك �صدي .. هنا �سراييفوا‬

‫ليذكرك بتلك ال�سنوات العجاف حني ن�صبوا م�صا�صي‬
‫الدماء و�أكلة حلوم الب�شر �سهامهم نحو تلك البقعه‬
‫امل�ست�ضعفة ... ف�أبادوا احلرث والن�سل ... ..!‬
‫الكثري و الكثري تقر�أه يف عيون البو�سنيني و ت�ست�شعر عتابهم‬
‫للعرب القادمني، و ت�ست�شعر �أزمة الهوية ... و ثبات الهوية‬
‫ً‬
‫... و �ضياع الهوية ... وحتدي الهوبه ...و ل�سان احلال‬
‫يقول ... فال نحن �أ�صبحنا �أوروبيون مائة يف املائة و ال نحن‬
‫�أ�صبحنا يف �أح�ضان �أخوتنا يف الدم و الدين ... العرب‬
‫...! ف�أ�صبحنا يف غربة ما بعدها غربات .وتقطعت بنا‬
‫ال�سبل بني ظاملني وفرقاء ... طوبي للغرباء..!! ت�ست�شعر‬
‫من التعامل يف املطاعم و املحالت والأماكن العامه ...‬
‫دماثة اخللق ... و رقة الدين ...و ف�ضل الدين ... وثراء‬
‫الدين ...و معني الدين ... الذي ال تعرف قدره �إال حينما‬
‫ت�أتي �إىل هذه البالد لرتى م�آذنها منت�شرة يف كل مكان‬
‫و لك �أن تتخيل �أنك يف و�سط �أوروبا و ت�ستمع �إىل الآذان‬
‫ي�صدع يف الأركان خم�س مرات .. مهما احكي عن تلك‬
‫اللحظات... يعجز القلم عن نقل نب�ضها .. ... بينما‬
‫البو�سنيون جمروحون من املا�ضي جرحا عميقا غائرا و‬
‫يرتقبون امل�ستقبل و هم واجمون ...مرتددون ...مت�سائلون‬
‫... اين هويتنا وم�ستقبلنا بني ف�ساد ال�سا�سة يف البو�سنه و‬
‫الرغبة يف التطوير و التحديث ، و �إن كانت �أبعد ما تكون‬
‫لأنهما ال يجتمعان ... ف�ساد ال�سيا�سة و بناء الأمم ...!‬
‫رغم اجلرح الأليم ... يف �سراييفو ... الكل حامل ... الكل‬
‫�آمل ... الكل �ساع ...الكل يف الأمل و الأمل متحدون ...‬
‫املا�ضي بجراحه حا�ضر... و احلا�ضر ب�أتراحه حا�ضر ...‬
‫و امل�ستقبل بني الرماد و اليقني ... و ال�س�ؤال احلائر ...‬
‫هل �سيطول انتظارنا �أم �سيدركنا الآخرون مبداد يجعلنا‬
‫نحيا احلياة و نلتحق بقطار التقدم و التطوير الذي كاد‬
‫يغادرنا�إىلالأبد...اىلمتيطيورالظالمتخطف�أحالمنا‬
‫وجتعلنا واملوتي �سواء ... �أما �آن لليل �أن ينجلي .....‬
‫و �أينما تنتقل يف ربوع املدن والقرى خارج العا�صمة‬
‫�سراييفو، جتد اجلداول املائية و اللون الأخ�ضر يحيط‬
‫بك والطبيعة ت�ستقبلك باخ�ضانها واوراقها اخل�ضراء‬
‫..واملقابر حا�ضرة و�شاهدة على ظلم بني االن�سان ....‬
‫وعند كل مقربه يفتح لك جرحا �آخر ... ينب�ش لك ذاكرة‬
‫حزن دفني �آخر ..�أمر مثري ان تكون مدينه واحده ت�ضم‬
‫يف �أح�شائها هذا العدد من املقابر ..تعقد الده�شه ل�سانك‬
‫حني تعلم عدد املقابر وتاريخ املذابح يف �صفوف �شعب مل‬
‫تكن له خطيئة �سوي انه ...م�سلم ... وام�صيبتاه.....‬
‫وحزن املدينه يذكرك بغرناطة و الزهراء و ابن‬
‫زيدون �أيام املجد الأندل�سي ... و يقول لك اين‬
‫امل�ستثمرون الراغبون و �أين ا�صحاب الهمم املتميزون‬
‫لي�شيدوا يف هذه البقعة امل�سلمة من �أوروبا واحات‬
‫و منتجعات ... و رغم اللون الأخ�ضر و اجلداول‬
‫املائية التي ت�سر الناظرين �إال �أن احلزن يبقى �ساكنا‬
‫�ضواحي املدينة كما ي�سكن عيون �أهلها ال�صافية...‬
‫و جتده بعمق اكرث حينما ي�أتي �إليك احلاملون ممن‬
‫ح�صلوا على �شهادات علمية و مهنية كبرية ثم ال‬

‫يجدون ما يرتجم طموحاتهم فيكون الإحباط و تقر�أ‬
‫يف عيونهم �أكرث مما تقر�أ من حديثهم ... و حني‬
‫تاخذك قدماك لتغادر املدينة ... حتا�صرك الأ�سئلة‬
‫بال �إجابات و تتداعى يف ر�أ�سك عالمات اال�ستفهام‬
‫تبقى تلح عليك ... و حتتويك ح�سرة على البالد و‬
‫على العباد ... و جتل�س يف ا�سرتاحة املطار مت�أمال‬
‫و مت�سائال ... يا �سراييفو �أما �آن حلزنك الدفني �أن‬
‫يرحل لي�صبح �أمال جديدا و واعدا ... و ي�أتي ال�صدى‬
‫: من يدري ...!! يوما ما �سرت�سل ال�سماء �أمطارها و‬
‫�آنذاك ال حزن يف �سراييفو بعد اليوم ..!! و انت تودع‬
‫املدينة و هي تبدو لك من الأجواء خ�ضراء هادئة‬
‫�ساكنة ... حت�س برغبة �شديدة بان تنفث حزنها الذي‬
‫�سكن ر�أ�سك و تزفر احل�سرة عليها التي جثمت على‬
‫�صدرك و ت�صرخ مودعا... �سيظل قلبك ... �سراييفو‬
‫... اخ�ضرا مثل وجه �أر�ضك الغناء ... �ستظل عيونك‬
‫... �سراييفو ... �صافية مثل ماء جداولك الرواء ...‬
‫�سيظل �شعبك الواعد احلامل ... �سراييفو ... �أملك‬
‫... حلمك ... همتك ...�سواعدك يف نه�ضة الغد ...و‬
‫بناء الغد ... و م�ستقبل الغد ... و حلم الغد ... نعم‬
‫بحق ... ال حزن يف �سراييفو بعد اليوم و ال غد ...!!!‬
‫�سراييفو 32-72 �أغ�سط�س 3102‬

‫	 •الرئيس التنفيذي لمجموعة  ( ‪) CMI-CEO‬‬

‫	‬
‫	‬
‫	‬
‫	‬
‫	‬

‫•مستشار رئيسي ـ  التطوير والتميز المؤسسي‬
‫• مقيم رئيسي معتمد  ( ‪) EFQM Master Assessor , Belgium‬‬
‫•مدرب معتمد  ( ‪) EFQM Licensed Trainer, Belgium‬‬
‫•مدرب معتمد فى إدارة المعرفة ( ‪) CKM Instructor KMI, USA‬‬
‫•محكم تجاري دولي بمركز أبوظبي للتوفيق والتحكيم التجاري ( ‪) Chartered Arbitrator‬‬

More Related Content

سراييفو ... الحزن الدفين...!

  • 1. ‫د. عماد الدين حسين‬ ‫ســـــــــــرايـــــــــــيـــــــــــفـــــــــــو‬ ‫سراييفو ...‬ ‫...‬ ‫سراييفو ...‬ ‫الحزن الدفين...!‬ ‫ما‬ ‫سراييفو ...‬ ‫�أن تط�أ قدماك العا�صمة البو�سنية ... �سراييفو‬ ‫... و�سط قطرات املطر التي ت�ستقبلك يف وداعة حانية‬ ‫ومودة ال تخطئها عني ...و �أنت يف و�سط �أوروبا....،‬ ‫�إال و تدرك �أنك يف معقل احلزن ..وموطن احلزن‬ ‫.... و بيت احلزن ... و �أ�صل احلزن ... و ثوابت‬ ‫احلزن ...ونوابت احلزن ... مطار متوا�ضع و ك�أنك‬ ‫يف �ضواحي املدن العتيقة ... موظفي اجلوازات‬ ‫تقر�أ يف مالحمهم احلزينه �أكرث مما ترى يف‬ ‫�أيديهم ... يف الطريق �إىل الفندق....، ال�سيارات و‬ ‫الرتام القدمي يذكرك بالقاهرة يف ال�سبعينات ...‬ ‫تكد�س املوا�صالت العامة يف �ساعات الذروة يعيد‬ ‫�إىل �أذهانك مدنا عربية تعي�ش يف حتديات �شظف‬ ‫العي�ش و الكفاح من اجل البقاء ....، مباين قدمية‬ ‫الزالت �شاهدة على �آثار التطهري العرقي للبو�سنة بني‬ ‫عامي 2991-5991 .ياتيك �صدي .. هنا �سراييفوا‬ ‫ليذكرك بتلك ال�سنوات العجاف حني ن�صبوا م�صا�صي‬ ‫الدماء و�أكلة حلوم الب�شر �سهامهم نحو تلك البقعه‬ ‫امل�ست�ضعفة ... ف�أبادوا احلرث والن�سل ... ..!‬ ‫الكثري و الكثري تقر�أه يف عيون البو�سنيني و ت�ست�شعر عتابهم‬ ‫للعرب القادمني، و ت�ست�شعر �أزمة الهوية ... و ثبات الهوية‬ ‫ً‬ ‫... و �ضياع الهوية ... وحتدي الهوبه ...و ل�سان احلال‬ ‫يقول ... فال نحن �أ�صبحنا �أوروبيون مائة يف املائة و ال نحن‬ ‫�أ�صبحنا يف �أح�ضان �أخوتنا يف الدم و الدين ... العرب‬ ‫...! ف�أ�صبحنا يف غربة ما بعدها غربات .وتقطعت بنا‬ ‫ال�سبل بني ظاملني وفرقاء ... طوبي للغرباء..!! ت�ست�شعر‬ ‫من التعامل يف املطاعم و املحالت والأماكن العامه ...‬ ‫دماثة اخللق ... و رقة الدين ...و ف�ضل الدين ... وثراء‬ ‫الدين ...و معني الدين ... الذي ال تعرف قدره �إال حينما‬ ‫ت�أتي �إىل هذه البالد لرتى م�آذنها منت�شرة يف كل مكان‬ ‫و لك �أن تتخيل �أنك يف و�سط �أوروبا و ت�ستمع �إىل الآذان‬ ‫ي�صدع يف الأركان خم�س مرات .. مهما احكي عن تلك‬ ‫اللحظات... يعجز القلم عن نقل نب�ضها .. ... بينما‬ ‫البو�سنيون جمروحون من املا�ضي جرحا عميقا غائرا و‬ ‫يرتقبون امل�ستقبل و هم واجمون ...مرتددون ...مت�سائلون‬ ‫... اين هويتنا وم�ستقبلنا بني ف�ساد ال�سا�سة يف البو�سنه و‬ ‫الرغبة يف التطوير و التحديث ، و �إن كانت �أبعد ما تكون‬ ‫لأنهما ال يجتمعان ... ف�ساد ال�سيا�سة و بناء الأمم ...!‬ ‫رغم اجلرح الأليم ... يف �سراييفو ... الكل حامل ... الكل‬ ‫�آمل ... الكل �ساع ...الكل يف الأمل و الأمل متحدون ...‬ ‫املا�ضي بجراحه حا�ضر... و احلا�ضر ب�أتراحه حا�ضر ...‬ ‫و امل�ستقبل بني الرماد و اليقني ... و ال�س�ؤال احلائر ...‬ ‫هل �سيطول انتظارنا �أم �سيدركنا الآخرون مبداد يجعلنا‬
  • 2. ‫نحيا احلياة و نلتحق بقطار التقدم و التطوير الذي كاد‬ ‫يغادرنا�إىلالأبد...اىلمتيطيورالظالمتخطف�أحالمنا‬ ‫وجتعلنا واملوتي �سواء ... �أما �آن لليل �أن ينجلي .....‬ ‫و �أينما تنتقل يف ربوع املدن والقرى خارج العا�صمة‬ ‫�سراييفو، جتد اجلداول املائية و اللون الأخ�ضر يحيط‬ ‫بك والطبيعة ت�ستقبلك باخ�ضانها واوراقها اخل�ضراء‬ ‫..واملقابر حا�ضرة و�شاهدة على ظلم بني االن�سان ....‬ ‫وعند كل مقربه يفتح لك جرحا �آخر ... ينب�ش لك ذاكرة‬ ‫حزن دفني �آخر ..�أمر مثري ان تكون مدينه واحده ت�ضم‬ ‫يف �أح�شائها هذا العدد من املقابر ..تعقد الده�شه ل�سانك‬ ‫حني تعلم عدد املقابر وتاريخ املذابح يف �صفوف �شعب مل‬ ‫تكن له خطيئة �سوي انه ...م�سلم ... وام�صيبتاه.....‬ ‫وحزن املدينه يذكرك بغرناطة و الزهراء و ابن‬ ‫زيدون �أيام املجد الأندل�سي ... و يقول لك اين‬ ‫امل�ستثمرون الراغبون و �أين ا�صحاب الهمم املتميزون‬ ‫لي�شيدوا يف هذه البقعة امل�سلمة من �أوروبا واحات‬ ‫و منتجعات ... و رغم اللون الأخ�ضر و اجلداول‬ ‫املائية التي ت�سر الناظرين �إال �أن احلزن يبقى �ساكنا‬ ‫�ضواحي املدينة كما ي�سكن عيون �أهلها ال�صافية...‬ ‫و جتده بعمق اكرث حينما ي�أتي �إليك احلاملون ممن‬ ‫ح�صلوا على �شهادات علمية و مهنية كبرية ثم ال‬ ‫يجدون ما يرتجم طموحاتهم فيكون الإحباط و تقر�أ‬ ‫يف عيونهم �أكرث مما تقر�أ من حديثهم ... و حني‬ ‫تاخذك قدماك لتغادر املدينة ... حتا�صرك الأ�سئلة‬ ‫بال �إجابات و تتداعى يف ر�أ�سك عالمات اال�ستفهام‬ ‫تبقى تلح عليك ... و حتتويك ح�سرة على البالد و‬ ‫على العباد ... و جتل�س يف ا�سرتاحة املطار مت�أمال‬ ‫و مت�سائال ... يا �سراييفو �أما �آن حلزنك الدفني �أن‬ ‫يرحل لي�صبح �أمال جديدا و واعدا ... و ي�أتي ال�صدى‬ ‫: من يدري ...!! يوما ما �سرت�سل ال�سماء �أمطارها و‬ ‫�آنذاك ال حزن يف �سراييفو بعد اليوم ..!! و انت تودع‬ ‫املدينة و هي تبدو لك من الأجواء خ�ضراء هادئة‬ ‫�ساكنة ... حت�س برغبة �شديدة بان تنفث حزنها الذي‬ ‫�سكن ر�أ�سك و تزفر احل�سرة عليها التي جثمت على‬ ‫�صدرك و ت�صرخ مودعا... �سيظل قلبك ... �سراييفو‬ ‫... اخ�ضرا مثل وجه �أر�ضك الغناء ... �ستظل عيونك‬ ‫... �سراييفو ... �صافية مثل ماء جداولك الرواء ...‬ ‫�سيظل �شعبك الواعد احلامل ... �سراييفو ... �أملك‬ ‫... حلمك ... همتك ...�سواعدك يف نه�ضة الغد ...و‬ ‫بناء الغد ... و م�ستقبل الغد ... و حلم الغد ... نعم‬ ‫بحق ... ال حزن يف �سراييفو بعد اليوم و ال غد ...!!!‬ ‫�سراييفو 32-72 �أغ�سط�س 3102‬ ‫ •الرئيس التنفيذي لمجموعة ( ‪) CMI-CEO‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫•مستشار رئيسي ـ التطوير والتميز المؤسسي‬ ‫• مقيم رئيسي معتمد ( ‪) EFQM Master Assessor , Belgium‬‬ ‫•مدرب معتمد ( ‪) EFQM Licensed Trainer, Belgium‬‬ ‫•مدرب معتمد فى إدارة المعرفة ( ‪) CKM Instructor KMI, USA‬‬ ‫•محكم تجاري دولي بمركز أبوظبي للتوفيق والتحكيم التجاري ( ‪) Chartered Arbitrator‬‬